Follow Me

الأحد، 26 يوليو 2015

جماعة القسم ، تقافة شعب



جماعة القسم ، تقافة شعب
الحسن اللحية
سبق وأن أشار دوركهايم إلى أن جماعة القسم تعكس المجتمع أو أنها عبارة عن مجتمع مصغر (ميكرومجتمع)، ولعل هذه الفكرة السوسيولوجية دفعت فليب بيرنو للبحث في علاقة المدرسة بالتنوع الثقافي .
يرى فليب بيرنو أن كل مجتمع كيف ما كان تتعايش فيه ثقافات مختلفة، بحيث أن كل مجموعة إثنية أو لغوية أو دينية تعمل على بناء ثقافتها الخاصة، وربما تبني معرفتها وقيمها وأذواقها وممارساتها الخاصة. فتعدد الأنواع والشروط وأنماط الحياة والعوائد والممارسات تنتج بدورها ثقافات حتى لو لم توجد مجموعة بشرية محددة بشكل واضح.
لهذا التنوع الثقافي نتائجه، بحيث أن اللقاء بين الثقافات يولد الصراعات والتمييز والهيمنة والاستبعاد. فجميع الأفراد ينطلقون من ثقافتهم وقيمهم ومقاييسهم ويتجاهلون أو يكرهون أو يحتقرون ثقافة غيرهم. فهنود أمريكا الشمالية يعتبرون البيض لا يشكلون جزء من الإنسانية، والمستعمرون أينما كانوا ينطلقون من تمركز على الذات يحتقرون بموجبه الآخر.
ففي مجتمع بلا مدرسة تعمل كل مجموعة بشرية على تنشئة الأطفال بطريقتها الخاصة. فتنقل إليهم ثقافتها وعلاقتها بالمجموعات الأخرى.
وأما في المجتمع الذي يعرف المؤسسة المدرسية أو ظهور الشكل المدرسي فإن المدرسة تكون في خدمة جميع المجموعات المختلفة إثنيا ولغويا ودينيا أو طبقيا. فالمدرسة الابتدائية هي مدرسة الشعب بينما يدرس في الإعداديات أبناء البورجوازيات. فكل مدرسة من هذه المدارس تساهم في صناعة هوية مجموعاتية وتساهم في نقلها, وبنفس الشكل تصنع وسائطها، وهو نفس ما نجده لدى المجموعات الإثنية والدينية والترابية التي تنشئ مدارس لنقل ثقافتها الخاصة إلى أطفالها وتعمل على ترويج، أحيانا، الكراهية والاحتقار تجاه الغير أو ثقافات أخرى. كما لا ننسى وجود التنوع الثقافي داخل كل مؤسسة بفعل اختلاف الأسر المنتمية لنفس المجموعة. 
قد تتغير الأمور حينما يلجأ المجتمع إلى نظام مدرسي موحد مهتم باستقطاب جميع الأطفال والمراهقين كيفما كان أصلهم وانتماؤهم وشروط عيشهم، حيث يتمدرسون في نفس المؤسسات وفي نفس الأقسام لا كتساب ثقافة مشتركة.
تحضر التعددية الثقافية في كل مدرسة تابعة لنظام تربوي موحد غير أن هذه التعددية لا تجد الباب مفتوحا كليا بسبب تمركز بعض الطبقات الاجتماعية أو المجموعات الإثنية في بعض المناطق الترابية أو المدينة. نجد في مثل هذا النظام مدارس قروية وأخرى حضرية، مدارس الأحياء الفقيرة وأخرى للأحياء الغنية، مدارس للبيض وأخرى للسود أو الصينيين أو الهنود، نجد المدارس الخاصة والمدارس العمومية...، وقد تتمثل مهمة جميع هذه المدارس في تزويد جميع التلاميذ بنفس الثقافة الأساس.
يلاحظ البون بين التمدرس العام والخاص، غير أن السياسة التربوية والتشريع يهمان مجموع المدارس وطنيا ومحليا. إن فكرة الثقافة المشتركة كشرط أساسي للمواطنة والعيش المشترك يترجم بمنهاج دراسي وطني أو جهوي يهم التربية الأساس المطروحة على جميع المدرسين، وعلى جميع المؤسسات حسب الدول والمناطق. وقد يكون هذا المنهاج الدراسي مرنا قليلا أو كثيرا.
إن السؤال السياسي الأساسي المطروح هو هل الجميع سيتحكمون في هذه الثقافة المشتركة بنفس القدر في نهاية التعليم الإلزامي؟ يتعلق الأمر بالمجتمعات وبرؤيتها للمساواة والديمقراطية.
ففيما يخص المجتمعات التي لا تولي أهمية كبرى للتحكم المتساوي في الثقافة المشتركة فإن ما يهم هو مقياس التميز والتسامح مع البون، وبذلك تتحدد القراءة ككفاية أساس بينما لا نجد الجميع يتعلم القراءة أو يتقنها بنفس الدرجة. وفي مجتمعات أخرى مهتمة بدمقرطة الولوج إلى المعرفة الأساس، حيث التفاوت مرفوض في هذا الباب، تريد تأكيد تحكم الجميع في الكفايات الأساس مهما كان الثمن.
توجد بين هذين النموذجين المتطرفين المجتمعات التي تقدر تكافؤ الفرص مؤكدة أنه مهما كان مقر سكن الفرد أو شروط عيشه أو أصوله الإثنية أو الوطنية أو اللغوية أو الدينية أو نوعه أو مستوى عيش أسرته فإنه لجميع التلاميذ الحق في الولوج إلى التربية الأساس في شروط متساوية. 
هناك تفكير في منح الجميع نفس فرص التكوين مادامت توضع تحت رهن إشارتهم نفس الموارد مما يعني بناء المدارس في مجموع ربوع البلاد وتوفير المدرسين المؤهلين والوسائل الملائمة ورفع المعيقات التمويلية الخاصة بالتمدرس.
حتى ولو وجدنا الجميع يستطيع الولوج إلى التربية المدرسية في شروط متقاربة فإننا نجد بأنه ليس للجميع الوسائل لاكتساب الثقافة المدرسية. وهكذا فسرت اللامساواة بما يلي:
بفوارق الداخل، بالذكاء، بالاستعداد الطبيعي للتعلم أو بمتغيرات مثل الرأسمال الثقافي واللغوي.
بفوارق في المواقف؛ حيث هناك من يريد التعلم وهناك من يقاومه ولا يستثمر في العمل المدرسي. فكان الحديث عن النقص في التحفيز...
عزي هذا النقص إلى ما هو تكويني أو إلى الوسط السوسيوثقافي. لكن الملاحظ أن التفسير البيولوجي يعزز القدرية ويقلص من مسؤوليات النظام التربوي والمجتمع. ففي جميع المجتمعات التي تسود فيها إيديولوجيا الداخل يظل تكافؤ الفرص كافيا.
لقد بينت العلوم الاجتماعية خلال القرن العشرين ما يلي:
أ- ارتباط النقص والإعاقات والتطور الفكري والعاطفي بشروط الحياة والتربية الأسرية عوض الإرث التكويني-الجيني.
ب- ارتباط هذه النواقص بمعايير الامتياز المدرسي.
إن القبول بالتفسير النفسي أو الأنتروبولوجي يعني بأن المجتمع برئ والمدرسة ليست مسؤولة بالنظر إلى وجود الفقراء والأغنياء، وجود أطفال يتمتعون بكل شيء وأطفال متخلى عنهم. والحال أن مسؤولية الدولة والمجتمع واضحة للعيان. فالفقر هو نتاج تاريخ، نتاج سياسة، نتاج علاقات بين الطبقات الاجتماعية أو المجموعات الإثنية.
أولا: يجب الوعي بأن اللامساواة أمام المدرسة يمكن القضاء عليها بسياسة اقتصادية واجتماعية؛ وذلك بالتصدي للأسباب، وبسياسة ثقافية كأن نضع أمام الآباء معارف طبية وسيكولوجية وتربوية أساسية.
ثانيا: إن اللامساواة أمام المدرسة ليست لا مساواة عادية أمام أي معرفة. فواقع الحال يؤكد وجود لامساواة في التنمية الفكرية التي تجعل اللامساواة في الولوج إلى التعلم قوية مهما كان المحتوى. غير أن تحديد الثقافة المدرسية يزيد من تأزيم الوضع من نواح كثيرة. فهي ثقافة قريبة من أسر بعض التلاميذ، خاصة الطبقات الوسطى والعليا منها. وهي بعيدة عن ثقافة الطبقات الشعبية.
ثالثا: إن التفاوت في المواقف والرغبة في التعلم لا تفسر اللامساواة في التعلم لأن مثل هذه الأمور هي منتوج شروط الحياة.
ويلخص فليب بيرنو جميع ما تطرقنا إليه آنفا في ضرورة الوعي بما يلي:
أولا: التفاوتات الحاصلة أمام المدرسة ليست طبيعية لأنه بإمكان سياسة أخرى أن تحد منها.
ثانيا: لا وجود لمنهاج دراسي يبعد بنفس المسافة عن الثقافات المتنوعة للأسر، وعن الإثنيات والطبقات الاجتماعية.
ثالثا: إن المساواة في معالجة الأشياء في القسم تنتج تفاوتات في التعلمات .
previous article
رسالة أحدث



إرسال تعليق

no

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *